فصل: تفسير الآيات (56- 58):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير (نسخة منقحة)



.تفسير الآيات (53- 55):

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا (53) إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا (54) لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آَبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا (55)}
قوله: {ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} هذا نهي عام لكل مؤمن أن يدخل بيوت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلاّ بإذن منه. وسبب النزول ما وقع من بعض الصحابة في وليمة زينب، وسيأتي بيان ذلك آخر البحث إن شاء الله. وقوله: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ} استثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي لا تدخلوها في حال من الأحوال إلاّ في حال كونكم مأذوناً لكم، وهو في موضع نصب على الحال، أي إلاّ مصحوبين بالإذن، أو بنزع الخافض، أي إلاّ بأن يؤذن لكم، أو منصوب على الظرفية، أي إلاّ وقت أن يؤذن لكم، وقوله: {إلى طَعَامٍ} متعلق ب {يؤذن} على تضمينه معنى الدعاء، أي إلاّ أن يؤذن لكم مدعوّين إلى طعام، وانتصاب {غَيْرَ ناظرين إناه} على الحال، والعامل فيه {يؤذن} أو مقدّر، أي ادخلوا غير ناظرين ومعنى ناظرين: منتظرين، وإناه: نضجه وإدراكه، يقال: أنى يأني أنى: إذا حان وأدرك. قرأ الجمهور: {غير ناظرين} بالنصب. وقرأ ابن أبي عبلة: {غير} بالجرّ صفة لطعام، وضعف النحاة هذه القراءة لعدم بروز الضمير لكونه جارياً على غير من هو له، فكان حقه أن يقال: {غَيْرَ ناظرين} إناه أنتم.
ثم بيّن لهم سبحانه ما ينبغي في ذلك، فقال: {وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فادخلوا} وفيه تأكيد للمنع، وبيان الوقت الذي يكون فيه الدخول، وهو عند الإذن. قال ابن العربي: وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم فادخلوا، وإلاّ فنفس الدعوة لا تكون إذناً كافياً في الدخول. وقيل: إن فيه دلالة بينة على أن المراد بالإذن إلى الطعام هو الدعوة إليه {فَإِذَا طَعِمْتُمْ فانتشروا} أمرهم سبحانه بالانتشار بعد الطعام، وهو التفرّق، والمراد الإلزام بالخروج من المنزل الذي وقعت الدعوة إليه عند انقضاء المقصود من الأكل {وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ} عطف على قوله: {غير ناظرين}، أو على مقدّر، أيّ ولا تدخلوا ولا تمكثوا مستأنسين. والمعنى: النهي لهم عن أن يجلسوا بعد الطعام يتحدّثون مستأنسين بالحديث. قال الرازي في قوله: {إِلاَّ أَن يُؤْذَنَ لَكُمْ إلى طَعَامٍ} إما أن يكون فيه تقديم وتأخير تقديره: ولا تدخلوا إلى طعام إلاّ أن يؤذن لكم، فلا يكون منعاً من الدخول في غير وقت الطعام بغير إذن. وإما أن لا يكون فيه تقديم وتأخير، فيكون معناه: ولا تدخلوا إلاّ أن يؤذن لكم إلى طعام، فيكون الإذن مشروطاً بكونه إلى طعام، فإن لم يؤذن إلى طعام فلا يجوز الدخول، فلو أذن لواحد في الدخول لاستماع كلام لا لأكل طعام فلا يجوز، فنقول: المراد هو الثاني ليعمّ النهي عن الدخول.
وأما كونه لا يجوز إلاّ بإذن إلى طعام فلما هو مذكور في سبب النزول أن الخطاب مع قوم كانوا يتحينون حين الطعام، ويدخلون من غير إذن، فمنعوا من الدخول في وقتهم بغير إذن.
وقال ابن عادل: الأولى أن يقال: المراد هو: الثاني؛ لأن التقديم والتأخير خلاف الأصل، وقوله: {إلى طَعَامٍ} من باب التخصيص بالذكر، فلا يدلّ على نفي ما عداه، لاسيما إذا علم مثله، فإن من جاز دخول بيته بإذنه إلى طعامه جاز دخوله بإذنه إلى غير الطعام، انتهى. والأولى في التعبير عن هذا المعنى الذي أراده أن يقال: قد دلت الأدلة على جواز دخول بيوته صلى الله عليه وسلم بإذنه لغير الطعام وذلك معلوم لا شك فيه، فقد كان الصحابة وغيرهم يستأذنون عليه لغير الطعام، فيأذن لهم، وذلك يوجب قصر هذه الآية على السبب الذي نزلت فيه، وهو القوم الذين كانوا يتحينون طعام النبي صلى الله عليه وسلم فيدخلون ويقعدون منتظرين لإدراكه وأمثالهم، فلا تدلّ على المنع من الدخول مع الإذن لغير ذلك، وإلاّ لما جاز لأحد أن يدخل بيوته بإذنه لغير الطعام، واللازم باطل فالملزوم مثله. قال ابن عطية: وكانت سيرة القوم إذا كان لهم طعام وليمة أو نحوه أن يبكر من شاء إلى الدعوة ينتظرون طبخ الطعام ونضجه، وكذلك إذا فرغوا منه جلسوا كذلك، فنهى الله المؤمنين عن ذلك في بيت النبي صلى الله عليه وسلم، ودخل في النهي سائر المؤمنين، والتزم الناس أدب الله لهم في ذلك، فمنعهم من الدخول إلاّ بإذن عند الأكل لا قبله لانتظار نضج الطعام.
والإشارة بقوله: {إِنَّ ذلكم} إلى الانتظار والاستئناس للحديث، وأشير إليهما بما يشار به إلى الواحد بتأويلهما بالمذكور كما في قوله: {عَوَانٌ بَيْنَ ذلك} [البقرة: 68] أي إن ذلك المذكور من الأمرين {كَانَ يُؤْذِي النبي} لأنهم كانوا يضيقون المنزل عليه وعلى أهله ويتحدّثون بما لا يريده. قال الزجاج: كان النبيّ صلى الله عليه وسلم يحتمل إطالتهم كرماً منه، فيصبر على الأذى في ذلك، فعلم الله من يحضره الأدب صار أدباً لهم ولمن بعدهم {فَيَسْتَحْيِي مِنكُمْ} أي يستحيي أن يقول لكم: قوموا أو أخرجوا {والله لاَ يَسْتَحْيِ مِنَ الحق} أي لا يترك أن يبين لكم ما هو الحق ولا يمتنع من بيانه وإظهاره، والتعبير عنه بعدم الاستحياء للمشاكلة. قرأ الجمهور: {يستحيي} بياءين، وروي عن ابن كثير: أنه قرأ بياء واحدة، وهي لغة تميم يقولون: استحى يستحي مثل استقى يستقي. ثم ذكر سبحانه أدباً آخر متعلقاً بنساء النبيّ صلى الله عليه وسلم فقال: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ متاعا} أي شيئاً يتمتع به، من الماعون وغيره {فاسألوهن مِن وَرَآءِ حِجَاب} أي من وراء ستر بينكم وبينهنّ. والمتاع يطلق على كل ما يتمتع به، فلا وجه لما قيل من أن المراد به العارية أو الفتوى أو المصحف.
والإشارة بقوله: {ذلكم} إلى سؤال المتاع من وراء حجاب، وقيل: الإشارة إلى جميع ما ذكر من عدم الدخول بغير إذن، وعدم الاستئناس للحديث عند الدخول وسؤال المتاع، والأوّل أولى، واسم الإشارة مبتدأ وخبره {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} أي أكثر تطهيراً لها من الريبة، وخواطر السوء التي تعرض للرجال في أمر النساء، وللنساء في أمر الرجال. وفي هذا أدب لكل مؤمن وتحذير له من أن يثق بنفسه في الخلوة مع من لا تحلّ له، والمكالمة من دون حجاب لمن تحرم عليه {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} أي ما صح لكم ولا استقام أن تؤذوه بشيء من الأشياء كائناً ما كان، ومن جملة ذلك دخول بيوته بغير إذن منه، واللبث فيها على غير الوجه الذي يريده، وتكليم نسائه من دون حجاب {وَلاَ أَن تَنكِحُواْ أَزْوَاجَهُ مِن بَعْدِهِ أَبَداً} أي ولا كان لكم ذلك بعد وفاته؛ لأنهنّ أمهات المؤمنين، ولا يحلّ للأولاد نكاح الأمهات، والإشارة بقوله: {إِنَّ ذلكم} إلى نكاح أزواجه من بعده {كَانَ عِندَ الله عَظِيماً} أي ذنباً عظيماً وخطباً هائلاً شديداً. وكان سبب نزول الآية أنه قال قائل: لو قد مات محمد لتزوّجنا نساءه، وسيأتي بيان ذلك {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ الله كَانَ بِكُلّ شَيْء عَلِيماً} يعلم كل شيء من الأشياء، ومن جملة ذلك ما تظهرونه في شأن أزواج رسوله، وما تكتمونه في صدوركم. وفي هذا وعيد شديد؛ لأن إحاطته بالمعلومات تستلزم المجازاة على خيرها وشرّها.
ثم بين سبحانه من لا يلزم الحجاب منه، فقال: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي ءَابَائِهِنَّ وَلاَ أَبْنَائِهِنَّ وَلاَ إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء إخوانهن وَلاَ أَبْنَاء أخواتهن} فهؤلاء لا يجب على نساء رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا غيرهنّ من النساء الاحتجاب منهم، ولم يذكر العمّ والخال؛ لأنهما يجريان مجرى الوالدين.
وقال الزجاج: العمّ والخال ربما يصفان المرأة لولديهما، فإن المرأة تحلّ لابن العمّ وابن الخال فكره لهما الرؤية، وهذا ضعيف جدّاً، فإن تجويز وصف المرأة لمن تحلّ له ممكن من غيرهما ممن يجوز له النظر إليها، لاسيما أبناء الإخوة، وأبناء الأخوات. واللازم باطل، فالملزوم مثله، وهكذا يستلزم أن لا يجوز للنساء الأجنبيات أن ينظرن إليها؛ لأنهنّ يصفنها، واللازم باطل فالملزوم مثله. وهكذا لا وجه لما قاله الشعبي وعكرمة من أنه يكره للمرأة أن تضع خمارها عند عمها أو خالها، والأولى أن يقال: إنه سبحانه اقتصر هاهنا على بعض ما ذكره من المحارم في سورة النور اكتفاء بما تقدّم {وَلاَ نِسَائِهِنَّ} هذه الإضافة تقتضي أن يكون المراد بالنساء المؤمنات؛ لأن الكافرات غير مأمونات على العورات، والنساء كلهنّ عورة {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من العبيد والإماء، وقيل: الإماء خاصة، ومن لم يبلغ من العبيد، والخلاف في ذلك معروف.
وقد تقدّم في سورة النور ما فيه كفاية. ثم أمرهنّ سبحانه بالتقوى التي هي ملاك الأمر كله، والمعنى: اتقين الله في كل الأمور التي من جملتها ما هو مذكور هنا {إِنَّ الله كَانَ على كُلّ شَيْء شَهِيداً} لم يغب عنه شيء من الأشياء كائناً ما كان، فهو مجاز للمحسن بإحسانه وللمسيء بإساءته.
وقد أخرج البخاري ومسلم عن أنس قال: قال عمر بن الخطاب: يا رسول الله إن نساءك يدخل عليهنّ البرّ والفاجر فلو حجبتهنّ، فأنزل الله آية الحجاب. وفي لفظ أنه قال عمر: يا رسول الله، يدخل عليك البرّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن أنس قال: لما تزوّج رسول الله صلى الله عليه وسلم زينب بنت جحش دعا القوم فطعموا، ثم جلسوا يتحدّثون وإذا هو كأنه يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام قام من قام وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا، فانطلقت فجئت، فأخبرت النبيّ صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا، فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله: {ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} الآية.
وأخرج ابن جرير عن عائشة: أن أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم كنّ يخرجن بالليل إذا تبرّزن إلى المناصع، وهو صعيد أفيح، وكان عمر بن الخطاب يقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فلم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل، فخرجت سودة بنت زمعة ليلة من الليالي عشاء، وكانت امرأة طويلة، فناداها عمر بصوته الأعلى: قد عرفناك يا سودة حرصاً على أن ينزل الحجاب، فأنزل الله الحجاب قال: {ياأيها الذين ءَامَنُواْ لاَ تَدْخُلُواْ بُيُوتَ النبي} الآية.
وأخرج ابن سعد عن أنس قال: نزل الحجاب مبتنى رسول الله صلى الله عليه وسلم بزينب بنت جحش، وذلك سنة خمس من الهجرة، وحجب نساءه من يومئذ، وأنا ابن خمس عشرة سنة. وكذا أخرج ابن سعد عن صالح بن كيسان، وقال: نزل الحجاب على نسائه في ذي القعدة سنة خمس من الهجرة، وبه قال قتادة والواقدي. وزعم أبو عبيدة وخليفة بن خياط: أن ذلك كان في سنة ثلاث.
وأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} قال: نزلت في رجل همّ أن يتزوّج بعض نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم بعده.
قال سفيان: وذكروا أنها عائشة.
وأخرج ابن أبي حاتم عن السدّي قال: بلغنا أن طلحة بن عبيد الله قال: أيحجبنا محمد عن بنات عمنا ويتزوّج نساءنا من بعدنا؟ لئن حدث به حدث لنتزوّجنّ نساءه من بعده، فنزلت هذه الآية.
وأخرج عبد الرزاق وعبد بن حميد وابن المنذر عن قتادة قال: قال طلحة بن عبيد الله: لو قبض النبيّ صلى الله عليه وسلم لتزوّجت عائشة. فنزلت.
وأخرج ابن سعد عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة؛ لأنه قال: إذا توفّي النبيّ صلى الله عليه وسلم تزوّجت عائشة. قال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله. قال القرطبي: قال شيخنا الإمام أبو العباس: وقد حكى هذا القول عن بعض فضلاء الصحابة، وحاشاهم عن مثله، وإنما الكذب في نقله، وإنما يليق مثل هذا القول بالمنافقين الجهال.
وأخرج البيهقي في السنن عن ابن عباس قال: قال رجل من أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلم: لو قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلم تزوّجت عائشة أو أمّ سلمة، فأنزل الله: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَن تؤْذُواْ رَسُولَ الله} الآية.
وأخرج ابن جرير عنه أن رجلاً أتى بعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم فكلمها وهو ابن عمها، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «لا تقومنّ هذا المقام بعد يومك هذا»، فقال: يا رسول الله، إنها ابنة عمي، والله ما قلت لها منكراً ولا قالت لي، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «قد عرفت ذلك إنه ليس أحد أغير من الله، وإنه ليس أحد أغير مني»، فمضى، ثم قال: يمنعني من كلام ابنة عمي، لأتزوّجنّها من بعده، فأنزل الله هذه الآية، فأعتق ذلك الرجل رقبة وحمل على عشرة أبعرة في سبيل الله، وحج ماشياً توبة من كلمته.
وأخرج ابن مردويه عن أسماء بنت عميس قالت: خطبني عليّ، فبلغ ذلك فاطمة فأتت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت: إن أسماء متزوّجة علياً، فقال لها النبيّ صلى الله عليه وسلم: «ما كان لها أن تؤذي الله ورسوله».
وأخرج ابن سعد عن أبي أمامة بن سهل بن حنيف في قوله: {إِن تُبْدُواْ شَيْئاً أَوْ تُخْفُوهُ} قال: أن تكلموا به، فتقولون: تتزوّج فلانة لبعض أزواج النبيّ صلى الله عليه وسلم، أو تخفوا ذلك في أنفسكم فلا تنطقوا به يعلمه الله.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله: {لاَّ جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ} إلى آخر الآية قال: أنزلت هذه في نساء النبيّ صلى الله عليه وسلم خاصة، وقوله: {نِسَاء النبي} يعني: نساء المسلمات {وَلاَ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ} من المماليك والإماء ورخص لهنّ أن يروهنّ بعد ما ضرب الحجاب عليهنّ.

.تفسير الآيات (56- 58):

{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا (56) إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُهِينًا (57) وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا (58)}
قرأ الجمهور: {وَمَلاَئِكَتُهُ} بنصب الملائكة عطفاً على لفظ اسم إنّ. وقرأ ابن عباس: {وَمَلاَئِكَتُهُ} بالرفع عطفاً على محل اسم إنّ، والضمير في قوله: {يَصِلُونَ} راجع إلى الله وإلى الملائكة، وفيه تشريف للملائكة عظيم حيث جعل الضمير لهم ولله سبحانه واحداً، فلا يرد الاعتراض بما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم لما سمع قول الخطيب يقول: من يطع الله ورسوله فقد رشد، ومن يعصهما فقد غوى، فقال: «بئس خطيب القوم أنت، قل: ومن يعص الله ورسوله» ووجه ذلك: أنه ليس لأحد أن يجمع ذكر الله سبحانه مع غيره في ضمير واحد، وهذا الحديث ثابت في الصحيح. وثبت أيضاً في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر منادياً ينادي يوم خيبر: إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية. ولأهل العلم أبحاث في الجمع بين الحديثين ليس هذا موضع ذكرها، والآية مؤيدة للجواز لجعل الضمير فيها لله ولملائكته واحداً، والتعليل بالتشريف للملائكة يقال مثله في رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحمل الذمّ لذلك الخطيب الجامع بينهما على أنه صلى الله عليه وسلم فهم منه إرادة التسوية بين الله سبحانه وبين رسوله، فيختص المنع بمثل ذلك، وهذا أحسن ما قيل في الجمع. وقالت طائفة: في هذه حذف، والتقدير: إن الله يصلي وملائكته يصلون، وعلى هذا القول فلا تكون الآية مما جمع فيه بين ذكر الله، وذكر غيره في ضمير واحد، ولا يرد أيضاً ما قيل: إن الصلاة من الله الرحمة، ومن ملائكته الدعاء، فكيف يجمع بين هذين المعنيين المختلفين في لفظ يصلون؟ ويقال على القول الأوّل: إنه أريد ب {يصلون} معنى مجازي يعمّ المعنيين، وذلك بأن يراد بقوله: {يصلون} يهتمون بإظهار شرفه، أو يعظمون شأنه، أو يعتنون بأمره.
وحكى البخاري عن أبي العالية: أن صلاة الله سبحانه ثناؤه عليه عند ملائكته وصلاة الملائكة الدعاء.
وروى الترمذي في سننه عن سفيان الثوري وغير واحد من أهل العلم أنهم قالوا: صلاة الربّ الرحمة، وصلاة الملائكة الاستغفار.
وحكى الواحدي عن مقاتل: أنه قال: أما صلاة الربّ فالمغفرة، وأما صلاة الملائكة فالاستغفار.
وقال عطاء بن أبي رباح: صلاته تبارك وتعالى: سبوح قدوس سبقت رحمتي غضبي. والمقصود من هذه الآية أن الله سبحانه أخبر عباده بمنزلة نبيه عنده في الملأ الأعلى بأنه يثني عليه عند ملائكته وأن الملائكة تصلي عليه، وأمر عباده بأن يقتدوا بذلك ويصلوا عليه.
وقد اختلف أهل العلم في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم هل هي واجبة أم مستحبة؟ بعد اتفاقهم على أن الصلاة عليه فرض في العمر مرة.
وقد حكى هذا الإجماع القرطبي في تفسيره، فقال قوم من أهل العلم: إنها واجبة عند ذكره، وقال قوم: تجب في كل مجلس مرة.
وقد وردت أحاديث مصرّحة بذمّ من سمع ذكر النبيّ صلى الله عليه وسلم فلم يصلّ عليه.
واختلف العلماء في الصلاة على النبيّ صلى الله عليه وسلم في تشهد الصلاة المفترضة هل هي واجبة أم لا؟ فذهب الجمهور إلى أنها فيها سنة مؤكدة غير واجبة. قال ابن المنذر: يستحب أن لا يصلي أحد صلاة إلاّ صلى فيها على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن ترك ذلك تارك فصلاته مجزئة في مذهب مالك وأهل المدينة وسفيان الثوري وأهل الكوفة من أصحاب الرأي وغيرهم، وهو قول جمهور أهل العلم. قال: وشذّ الشافعي فأوجب على تاركها الإعادة مع تعمد تركها دون النسيان، وهذا القول عن الشافعي لم يروه عنه إلاّ حرملة بن يحيى ولا يوجد عن الشافعي إلاّ من روايته. قال الطحاوي: لم يقل به أحد من أهل العلم غير الشافعي.
وقال الخطابي، وهو من الشافعية: إنها ليست بواجبة في الصلاة، قال: وهو قول جماعة الفقهاء إلاّ الشافعي، ولا أعلم له في ذلك قدوة، انتهى.
وقد قال بقول الشافعي: جماعة من أهل العلم منهم الشعبي والباقر ومقاتل بن حيان، وإليه ذهب أحمد بن حنبل أخيراً، كما حكاه أبو زرعة الدمشقي، وبه قال ابن راهويه وابن المواز من المالكية.
وقد جمعت في هذه المسألة رسالة مستقلة ذكرت فيها ما احتج به الموجبون لها وما أجاب به الجمهور، وأشفّ ما يستدلّ به على الوجوب الحديث الثابت بلفظ: إن الله أمرنا أن نصلي عليك. فكيف نصلي عليك في صلاتنا، فقال: «قولوا» الحديث. فإن هذا الأمر يصلح للاستدلال به على الوجوب. وأما على بطلان الصلاة بالترك ووجوب الإعادة لها فلا، لأن الواجبات لا يستلزم عدمها العدم كما يستلزم ذلك الشروط والأركان.
واعلم أنه قد ورد في فضل الصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة لو جمعت لجاءت في مصنف مستقلّ ولو لم يكن منها إلاّ الأحاديث الثابتة في الصحيح من قوله صلى الله عليه وسلم: «من صلى عليّ صلاة صلى الله عليه بها عشراً» فناهيك بهذه الفضيلة الجليلة والمكرمة النبيلة. وأما صفة الصلاة عليه صلى الله عليه وسلم، فقد وردت فيها صفات كثيرة بأحاديث ثابتة في الصحيحين وغيرهما، منها ما هو مقيد بصفة الصلاة عليه في الصلاة، ومنها ما هو مطلق، وهي معروفة في كتب الحديث فلا نطيل بذكرها. والذي يحصل به الامتثال لمطلق الأمر في هذه الآية هو أن يقول القائل: اللهم صلّ وسلم على رسولك أو على محمد أو على النبيّ، أو اللهم صلّ على محمد وسلم.
ومن أراد أن يصلي عليه ويسلم عليه بصفة من الصفات التي ورد التعليم بها، والإرشاد إليها فذلك أكمل، وهي صفات كثيرة قد اشتملت عليها كتب السنة المطهرة. وسيأتي بعضها آخر البحث. وسيأتي الكلام في الصلاة على الآل. وكان ظاهر هذا الأمر بالصلاة والتسليم في الآية أن يقول القائل: صليت عليه وسلمت عليه، أو الصلاة عليه والسلام عليه، أو عليه الصلاة والتسليم؛ لأن الله سبحانه أمرنا بإيقاع الصلاة عليه والتسليم منا، فالامتثال هو أن يكون ذلك على ما ذكرنا، فكيف كان الامتثال لأمر الله لنا بذلك أن نقول: اللهم صلّ عليه وسلم، بمقابلة أمر الله لنا بأمرنا له بأن يصلي عليه ويسلم عليه؟ وقد أجيب عن هذا بأن هذه الصلاة والتسليم لما كانتا شعاراً عظيماً للنبيّ صلى الله عليه وسلم وتشريفاً كريماً، وكلنا ذلك إلى الله عزّ وجلّ وأرجعناه إليه، وهذا الجواب ضعيف جدّاً. وأحسن ما يجاب به أن يقال: إن الصلاة والتسليم المأمور بهما في الآية هما أن نقول: اللهم صلّ عليه وسلم، أو نحو ذلك مما يؤدّي معناه كما بينه رسول الله صلى الله عليه وسلم لنا، فاقتضى ذلك البيان في الأحاديث الكثيرة: أن هذه هي الصلاة الشرعية.
واعلم أن هذه الصلاة من الله على رسوله، وإن كان معناها: الرحمة، فقد صارت شعاراً له يختصّ به دون غيره، فلا يجوز لنا أن نصلي على غيره من أمته. كما يجوز لنا أن نقول: اللهم ارحم فلاناً، أو رحم الله فلاناً، وبهذا قال جمهور العلماء مع اختلافهم: هل هو محرّم، أو مكروه كراهة شديدة، أو مكروه كراهة تنزيه على ثلاثة أقوال.
وقد قال ابن عباس كما رواه عنه ابن أبي شيبة، والبيهقي في الشعب: لا تصلح الصلاة على أحد إلاّ على النبيّ صلى الله عليه وسلم، ولكن يدعو للمسلمين والمسلمات بالاستغفار.
وقال قوم: إن ذلك جائز لقوله تعالى: {وَصَلّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صلواتك سَكَنٌ لَّهُمْ} [التوبة: 103] ولقوله: {أولئك عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ وَرَحْمَةٌ} [البقرة: 157] ولقوله: {هُوَ الذي يُصَلّي عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ} [الأحزاب: 43] ولحديث عبد الله بن أبي أوفى الثابت في الصحيحين وغيرهما قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه قوم بصدقتهم قال: «اللهم صلّ عليهم، فأتاه أبي بصدقته فقال: اللهم صلّ على آل أبي أوفى» ويجاب عن هذا بأن هذا الشعار الثابت لرسول الله صلى الله عليه وسلم له أن يخص به من شاء. وليس لنا أن نطلقه على غيره. وأما قوله تعالى: {هُوَ الذي يُصَلّى عَلَيْكُمْ وَمَلاَئِكَتُهُ}، وقوله: {أولئك عَلَيْهِمْ صلوات مّن رَّبْهِمْ} [البقرة: 157] فهذا ليس فيه إلاّ أن الله سبحانه يصلي على طوائف من عباده كما يصلي على من صلى على رسوله مرّة واحدة عشر صلوات، وليس في ذلك أمر لنا، ولا شرعه الله في حقنا، بل لم يشرع لنا إلاّ الصلاة والتسليم على رسوله.
وكما أن لفظ الصلاة على رسول الله شعار له، فكذا لفظ السلام عليه.
وقد جرت عادة جمهور هذه الأمة والسواد الأعظم من سلفها وخلفها على الترضي عن الصحابة والترحم على من بعدهم، والدعاء لهم بمغفرة الله وعفوه كما أرشدنا إلى ذلك بقوله سبحانه: {والذين جَاءُو مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغفر لَنَا ولإخواننا الذين سَبَقُونَا بالإيمان وَلاَ تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلاًّ لِّلَّذِينَ آمَنُواْ} [الحشر: 10].
ثم لما ذكر سبحانه ما يجب لرسوله من التعظيم ذكر الوعيد الشديد للذين يؤذونه فقال: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ الله فِي الدنيا والآخرة} قيل: المراد بالأذى هنا هو فعل ما يكرهانه من المعاصي لاستحالة التأذي منه سبحانه. قال الواحدي: قال المفسرون: هم المشركون واليهود والنصارى وصفوا الله بالولد، فقالوا: عزير ابن الله، والمسيح ابن الله، والملائكة بنات الله، وكذبوا رسول الله، وشجوا وجهه وكسروا رباعيته، وقالوا: مجنون، شاعر، كذاب، ساحر. قال القرطبي: وبهذا قال جمهور العلماء.
وقال عكرمة: الأذية لله سبحانه بالتصوير، والتعرّض لفعل ما لا يفعله إلاّ الله بنحت الصور وغيرها.
وقال جماعة: إن الآية على حذف مضاف، والتقدير: إن الذين يؤذون أولياء الله. وأما أذية رسوله فهي: كل ما يؤذيه من الأقوال والأفعال، ومعنى اللعنة: الطرد والإبعاد من رحمته، وجعل ذلك في الدنيا والآخرة لتشملهم اللعنة فيهما بحيث لا يبقى وقت من أوقات محياهم ومماتهم إلاّ واللعنة واقعة عليهم ومصاحبة لهم {وَأَعَدَّ لَهُمْ} مع ذلك اللعن {عَذَاباً مُّهِيناً} يصيرون به في الإهانة في الدار الآخرة لما يفيده معنى الإعداد من كونه في الدار الآخرة.
ثم لما فرغ من الذمّ لمن آذى الله ورسوله ذكر الأذية لصالحي عباده، فقال: {والذين يُؤْذُونَ المؤمنين والمؤمنات} بوجه من وجوه الأذى من قول أو فعل، ومعنى {بِغَيْرِ مَا اكتسبوا}: أنه لم يكن ذلك لسبب فعلوه يوجب عليهم الأذية ويستحقونها به، فأما الأذية للمؤمن والمؤمنة بما كسبه مما يوجب عليه حدّاً أو تعزيراً أو نحوهما، فذلك حق أثبته الشرع، وأمر أمرنا الله به وندبنا إليه، وهكذا إذا وقع من المؤمنين والمؤمنات الابتداء بشتم لمؤمن أو مؤمنة أو ضرب، فإن القصاص من الفاعل ليس من الأذية المحرّمة على أيّ وجه كان، ما لم يجاوز ما شرعه الله. ثم أخبر عما لهؤلاء الذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا، فقال: {فَقَدِ احتملوا بهتانا وَإِثْماً مُّبِيناً} أي ظاهراً واضحاً لا شك في كونه من البهتان والإثم، وقد تقدّم بيان حقيقة البهتان وحقيقة الإثم.
وقد أخرج ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس {يُصَلُّونَ عَلَى النبي} يبرّكون.
وأخرج ابن أبي حاتم، وأبو الشيخ في العظمة، وابن مردويه عن ابن عباس؛ أن بني إسرائيل قالوا لموسى: هل يصلي ربك؟ فناداه ربه: يا موسى، سألوك: هل يصلي ربك؟ فقل: نعم، أنا أصلي وملائكتي على أنبيائي ورسلي، فأنزل الله على نبيه: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي} الآية.
وأخرج ابن مردويه عنه قال: إن صلاة الله على النبيّ هي: المغفرة، إن الله لا يصلي، ولكن يغفر، وأما صلاة الناس على النبيّ فهي الاستغفار له.
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس أنه قرأ: «صلوا عليه كما صلى الله عليه وسلم وا تسليماً».
وأخرج سعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن أبي حاتم وابن مردويه عن كعب بن عجرة قال: لما نزلت: {إِنَّ الله وملائكته يُصَلُّونَ عَلَى النبي} الآية، قلنا: يا رسول الله، قد علمنا السلام عليك فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قولوا اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وأخرجه البخاري، ومسلم، وغيرهما من حديثه بلفظ: قال رجل: يا رسول الله: أما السلام عليك فقد علمناه، فكيف الصلاة عليك؟ قال: «قل: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد».
وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وأحمد، والنسائي من حديث طلحة بن عبيد الله قال: قلت: يا رسول الله كيف الصلاة عليك؟ قال: «قل: اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وآل إبراهيم إنك حميد مجيد» وفي الأحاديث اختلاف، ففي بعضها على إبراهيم فقط، وفي بعضها على آل إبراهيم فقط، وفي بعضها بالجمع بينهما كحديث طلحة هذا.
وأخرج البخاري ومسلم وغيرهما من حديث أبي حميد الساعدي أنهم قالوا: يا رسول الله كيف نصلي عليك؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قولوا: اللهم صلّ على محمد وأزواجه وذرّيته كما صليت على آل إبراهيم، وبارك على محمد وأزواجه وذرّيته كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد» والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدًّا، وفي بعضها التقييد بالصلاة كما في حديث أبي مسعود عند ابن خزيمة، والحاكم وصححه، والبيهقي في سننه؛ أن رجلاً قال: يا رسول الله، أما السلام عليك فقد عرفناه، فكيف نصلي عليك إذا نحن صلينا عليك في صلاتنا؟ الحديث.
وأخرج الشافعي في مسنده من حديث أبي هريرة مثله.
وجميع التعليمات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في الصلاة عليه مشتملة على الصلاة على آله معه إلاّ النادر اليسير من الأحاديث، فينبغي للمصلي عليه أن يضم آله إليه في صلاته عليه، وقد قال بذلك جماعة، ونقله إمام الحرمين والغزالي قولاً عن الشافعي كما رواه عنهما ابن كثير في تفسيره، ولا حاجة إلى التمسك بقول قائل في مثل هذا مع تصريح الأحاديث الصحيحة به، ولا وجه لقول من قال: إن هذه التعليمات الواردة عنه صلى الله عليه وسلم في صفة الصلاة عليه مقيدة بالصلاة في الصلاة حملاً لمطلق الأحاديث على المقيد منها بذلك القيد، لما في حديث كعب بن عجرة وغيره أن ذلك السؤال لرسول الله صلى الله عليه وسلم كان عند نزول الآية.
وأخرج عبد الرزاق وابن مردويه، والبيهقي في الشعب عن أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «صلوا على أنبياء الله ورسله، فإن الله بعثهم كما بعثني».
وأخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {إِنَّ الذين يُؤْذُونَ الله وَرَسُولَهُ} الآية قال: نزلت في الذين طعنوا على النبيّ صلى الله عليه وسلم حين اتخذ صفية بنت حيي، وروي عنه أنها نزلت في الذين قذفوا عائشة.